بقلم / هشام المهدي
"الخفاش الذي وجد الإتحاد"
تجربتي في تركيا (1)
.
تحكي مرويات الهنود قصة عن الخفاش الذي لا أصدقاء له، و منبع هذا كونه -و في المعارك التي تدور بين الطيور و الحيوانات- يتقلب بين الجماعتين زاعما أنه و بسبب جناحيه طائر كالطيور، و بسبب أسنانه حيوان كبقية الحيوانات، و طالب مثلي بثقافتين متناقضتين كان خفاشا في تركيا، عشت أكثر من ستة أشهر بعد وصولي إلى تركيا دون أن أقابل أي يمني و دون أن أحصل على أي صديق تركي، الأمر ليس متعلقا فقط بكوني ال
يمني الأول و الوحيد في الجامعة، بل بكوني لم أدرك حينها أي قيمة قد تحملها الجماعة.
.
يقال في أفريقيا " إذا ما أردت سرعة الوصول إلى الهدف فامض وحيدا، أما إذا ما أردت الوصول إلى هدف بعيد فامض مع الجماعة" و تجارب الحضارات على امتداد العصور بإمكانها أن تثري هذا المقال بالكثير..
تعرفت على الإتحاد بعد نصف عام من الوحدة، لا يمكن لطالب لم ينخرط في أي عمل نقابي أن يدرك أي معنى يحمله الاتحاد، يواجه الكثيرون هذه المشكلة، يعلمون أن هناك اتحادا و يجهلون تماما ما بإمكانه أن يضيف لهم و يضيفوا إليه، و الخطأ هنا مشترك بين الطرفين، فالاتحادات تفتقر إلى برامج توعية نوعية يدرك الطالب معها أهمية كيان نقابي كهذا الذي يلجأ إليه الطلاب، و الطلاب يفتقرون إلى الدافع لاختبار الحياة خارح أسوار الجامعة أو المدرسة.
.
يصل الطلاب اليمنيون إلى أهدافهم بسرعة، ذلك أنهم ينطلقون وحيدين، و يضعون أهدافا صغيرة يظنون أنها و بطريقة ما تكفي و أنها ستصل بهم -بمجهودهم وحدهم- إلى هدف ما كبير في خيالاتهم، و خطابي هذا ليس عتابا بل تصحيحا، فالشهادة لم تكن يوما هدفا كبيرا، الأهداف الكبيرة و البعيدة تتحقق في أرض الواقع، و الطريق الأمثل إليها هي الجماعة، و الحقيقة أن خلطا كهذا استمر على مدى سنين طوال، إذ يصعب إيجاد من يمتلك القدرة على التوفيق بين الجانب العلمي و العملي، و كلاهما مهم، و قد يزعم الكثيرون أنهم يفعلون، لكن الحقيقة ليست كذلك..
.
تغيرت حياتي كثيرا مذ عرفت الاتحاد، لا أستطيع أن أكتفي بتعديد جوانب التغيير و تفاصيله، و لكنني و في معمعة الحياة أستطيع أن أقول أنني انتشلت من الاتحاد روحا أخرى أكثر قوة، و أنني بطريقة ما كنت المستغل الذي امتص كل ما بإمكانه امتصاصه من قوة الجماعة..
.
لا بد من أن يبدأ الطلاب بتحويل الاتحادات إلى كيانات اكثر فاعلية، الانخراط في الحياة الجامعية لا يجب أن يكون عائقا أمام التجربة، و الانخراط في أعمال الاتحاد التقليدية لا يجب أن يكون النهاية، الاتحادات خلقت لتكبر، لتصل بالفرد و قدراته إلى حاصل ضربها بالأفراد و الجماعة، و هي -و إن لم تبد كذلك للكثيرين- بأهمية اللبنة الأولى لبناء دولة المستقبل، تلك التي يحلم بها كل يمني بكل تأكيد، لا يزال الطريق طويلا بالطبع، و لا يزال بالإمكان القيام بما هو أكثر بكثير، و لكنها طريق لا يمكن المرور خلالها دون اتحاد..
.
تنتهي تجربتي مع اتحادات الطلاب في تركيا قريبا، و خلاصة عامين من الاشتراك التدريجي فيها جعلتني أكتب كل هذا على أمل ما هو أفضل، و بفخر بما كان، و كما قيل، فالمجموعة لا تنمو إلا حين ينمو كل فرد فيها، و أنا نموت مع كل يوم من الاتحاد..
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء